اللون يملأ عالمنا بالجمال. فنحن نبتهج بألوان غروب الشمس البهيّ وباللون الأحمر اللامع واللون الأصفر الذهبي لأوراق الخريف، ونُسْحَر ونُفتن بالنباتات الزهرية الجميلة وألوان قوس قزح المتلألئة.كما تؤدي الألوان دورًا مهمًا في إضافة البهجة والأهمية لحياتنا. فمثلا يختار كثير من الناس ألوان ملابسهم بعناية تامة، ويزينون منازلهم بألوان تحدث آثارا جميلة أو مسرة أو متعةً للناظرين. يحاول الفنانون جعل رسوماتهم أكثر واقعية وتعبيرًا باختيارهم وترتيبهم للألوان بتمعن.
تصلح الألوان وسيلة للاتصال والإخبار. ففي الرياضة توضِّح الألوان المختلفة لأزياء اللاعبين الفرق التي ينتمون إليها. في الطرق، تفيد إشارات المرور الحمراء السائقين الأمر بالوقوف، والخضراء السماح بالمرور. في الخريطة الملونة، يمكن أن يرمز اللون الأزرق للأنهار ومصادر مياه أخرى، واللون الأخضر للغابات والحدائق، واللون الأحمر للطرق.. إلخ.
تُستخدم أسماء الألوان في عدة تعبيرات شائعة لوصف الأمزجة والأحاسيس.
تؤدي الألوان أيضًا دورًا مهما في الطبيعة. فالألوان البراقة لعدد كبير من أكمام الأزهار تجذب نحوها الحشرات. ويمكن أن تساهم هذه الحشرات في تلقيح الأزهار، وبالتالي، تجعل النباتات تنتج بذورًا وثمارًا. وتجذب الفواكه الزاهية الألوان، العديد من أنواع الحيوانات آكلة الفواكه والتي تلفظ بذور الفواكه عبر الرَّوث، فتنبُت هذه البذور أينما وقع روثها. وبهذه الكيفية يمكن أن تنتشر النباتات المنتجة للفواكه انتشارًا طبيعيًا إلى مساحات جديدة.
وتساعد الألوان بعض الحيوانات في جلب قرائن لها. فمثلا، ينشر الطاووس ريشه ذا الألوان الساطعة الزاهية عندما يغازل أنثاه. وتساعد ألوان عدد كبير من الحيوانات في الهروب وتفادي الأعداء. فمثلا، أرانب القطب الشمالي لها فراء ذات ألوان سمراء داكنة في الصيف. ويتحول لون فرائها في الشتاء إلى اللون الأبيض مما يجعل من الصعب رؤية الأعداء لهذه الأرانب في الثلج.
وبالرغم من أننا نتحدث عن رؤية الألوان أو الأشياء إلا أننا لا نراها حقيقة، بل نرى الجانب من الضوء الذي تعكسه أو تصدره هذه الأشياء.
تستقبل أعيننا هذا الضوء، وتحوله إلى إشارات كهروكيميائية. وتنتقل هذه الإشارات خلال أعصاب العين إلى الدماغ؛ الذي يترجمها صورًا ملونة. ومع ذلك مازال هناك الكثير الذي يجهله العلماء عن الكيفية التي تمكننا بها أعيننا وأدمغتنا من الإحساس بالألوان.
العلاقة بين الألوان والضوءلكي ندرك كيفية رؤية الألوان يجب علينا أن نعرف أولا شيئًا عن طبيعة الضوء. فالضوء صورة من صور الطاقة، وله سلوك مماثل لسلوك الموجات من أوجه مختلفة. وللموجات الضوئية مدى من الأطوال الموجية. والطول الموجي هو البعد بين أي نقطة في موجة والنقطة المناظرة لها في الموجة التالية. وتبدو لنا الموجات الضوئية ذات الأطوال الموجية المختلفة بألوان مختلفة. ويبدو الضوء الذي يحتوي على كل الأطوال الموجية بنفس النسب، كضوء الشمس، أبيض. وتوجد بعض الخلائط من الأطوال الموجية التي تبدو أيضًا بيضاء.
وعندما يمر شعاع من ضوء الشمس، خلال قطعة من الزجاج مُشكّلة بطريقة خاصة، تسمى المنشور، فإن الأشعة المختلفة للموجات تخرج منه منحنية بزوايا مختلفة. تحلل هذه الانحناءات ضوء الشمس إلى مجموعة من الألوان الزاهية. وتحتوي هذه المجموعة على كل ألوان قوس قُزَح وتُسمى الطيف المرئي. ويبدو الضوء بنفسجيًا عند أحد طرفي الطيف المرئي. ويمثل هذا الطرف البنفسجي أقصر طول موجي يمكن أن نراه. وعند الابتعاد عن هذا الطرف خلال الطيف، فإن الطول الموجي للضوء يزداد، ويبدو الضوء بالتدريج ـ أزرقَ ثم أخضرَ ثم أصفرَ ثم برتقاليًا ثم أحمرَ، ويكون الانتقال من لون لآخر بالتدريج حيث يتداخل كل لون مع الألوان المجاورة له من الطيف. ويمكن أن نرى لون الضوء ذي الطول الموجي الطويل أحمر قاتمًا.
والموجات الضوئية عبارة عن موجات كهرومغنطيسية، تتكون من أنماط من الطاقة الكهربائية والطاقة المغنطيسية. ويمثل الطيف المرئي جزءًا من الطيف الكهرومغنطيسي ـ الذي يحوي مدى الأطوال الموجية للموجات الكهرومغنطيسية. وتوجد الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية وأشعة جاما بعد الطرف البنفسجي وخارج الطيف المرئي، كما توجد الأشعة دون الحمراء والموجات الراديوية بعد الطرف الأحمر وخارج الطيف المرئي.
وتبدو بعض الأشياء كإشارات المرور وإشارات النيون ملونة نظرًا لأن الضوء الذي تبعثه يحتوي على مدى محدود من الأطوال الموجية. ومع ذلك، تبدو معظم الأشياء ملونة؛ بسبب تركيبها الكيميائي. وتمتص الأشياء أطوالاً موجية معينة من الضوء، وتعكس الأطوال الموجية المتبقية. فعندما تسقط أشعة الشمس على جسم نباتي كالجزر، مثلا، فإن مكونات الجزر، تمتص معظم الضوء ذي الطول الموجي القصير، وتعكس معظم الضوء ذي الطول الموجي الأطول. وعندما يصل هذا الضوء، ذو الطول الموجي الأطول، إلى أعيننا فإن نبات الجزر يبدو لنا برتقاليًا.
ويبدو الجسم الذي يعكس معظم الضوء الذي يحتوي على كل الأطوال الموجية بكميات متساوية، بالتقريب، أبيض، بينما يبدو الجسم الذي يمتص معظم الضوء الذي يحتوي على كل الأطوال الموجية بكميات متساوية، بالتقريب أسود.
كيف نرى الألوانمهمة العين ومهمة الدماغ. تعتمد مقدرتنا لرؤية الألوان على عدة وظائف للأعين والدماغ. هذة الوظائف معقدة. فعندما ننظر إلى جسم ما فإن ضوءًا منعكسًا من الجسم نفسه يدخل أعيننا. تركز كل عين على حدة الضوء مكوِِّّنةً صورة للجسم على الشبكية. والشبكية طبقة رقيقة من الأنسجة تغطي مؤخرة وجوانب تجويف العين من الداخل، وتحتوي على ملايين الخلايا الحساسة للضوء. وتمتص هذه الخلايا معظم الضوء الذي يسقط على الشبكية، وتحوله إلى إشارات كهربائية. وتنتقل هذه الإشارات الضوئية، إلى الدماغ بوساطة أعصاب تنقلها إليه عن بُعد.
تحتوي الشبكية على نوعين رئيسيين من الخلايا الحساسة للضوء ـ العصي والمخاريط. ويُعزى سبب التسمية إلى أشكال هذه الخلايا. فالخلايا القضيبية حساسة لأقصى درجة للضوء الخافت، ولكنها لا تستطيع تمييز الأطوال الموجية. ولهذا السبب، نرى فقط مساحات من اللون الرمادي في الغرفة خافتة الإضاءة. تبدأ الخلايا المخروطية في الاستجابة للضوء عندما يصير الضوء أكثر إضاءة وسطوعًا، وفي الوقت نفسه تكف الخلايا القضيبية عن العمل. وتحتوي شبكية الشخص ذي الإبصار الطبيعي للألوان على ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية. يستجيب أحد هذه الأنواع بأقصى شدة للضوء ذي الطول الموجي القصير والذي يقابل اللون الأزرق. ويوجد نوع ثان يتفاعل رئيسيًا مع الضوء ذي الطول الموجي الوسط أي اللون الأخضر. أما النوع الثالث فهو أكثر حساسية للضوء ذي الطول الموجي الطويل، أي اللون الأحمر.
يرتب الدماغ الإشارات التي تحملها إليه الأعصاب من العين، ويترجمها صورًا بصرية ملونة. ولا تزال الكيفية التي يمكِّننا بها الدماغ من أن ندرك الألوان، سرًا غامضًا لم يكشف تمامًا بعد. وقد طوّر العلماء عدة نظريات لتوضيح رؤية الألوان.قُدمت بعض هذه النظريات ونوقشت في الجزء الخاص بتاريخ دراسة الألوان.
وبعض الناس ليس لديه إبصار تام للألوان. ويقال: عن أمثال هؤلاء الناس أنهم مصابون بعمى الألوان. وتوجد أنواع ودرجات مختلفة لعمى الألوان، تعتمد على أنواع الخلل في الخلايا المخروطية في الشبكية. وقد يكون أحد أنواع الخلايا المخروطية مفقودًا أو معطلاً، وهي أشدّ الحالات استفحالاً. ويخلط الناس المصابون بسبب هذا الخلل بين ألوان معينة وبقية الألوان. وهناك عدد قليل جدًا من الناس لا يستطيع أن يبصر الألوان كلية. ومعظم مشكلات إبصار الألوان وراثية ولا يمكن معالجتها.
يتبع